الذكاء الاصطناعي وثورة الكتابة الإبداعية: قصة تحوّل الكلمة بين يدي الإنسان والآلة

"الفن هو الكذبة التي تجعلنا ندرك الحقيقة" - هذه المقولة التي طالما رددها الأديب الراحل إحسان عبد القدوس في مقالاته وأحاديثه تكتسب اليوم معنى جديداً في عصر الذكاء الاصطناعي. فما بين الكلمة التي تخطها يد الإنسان وتلك التي تولدها خوارزميات الآلة، تولد حقائق جديدة عن الإبداع والفن والإنسانية نفسها.

الذكاء الاصطناعي وثورة الكتابة الإبداعية: قصة تحوّل الكلمة بين يدي الإنسان والآلة

"الفن هو الكذبة التي تجعلنا ندرك الحقيقة" - هذه المقولة التي طالما رددها الأديب الراحل إحسان عبد القدوس في مقالاته وأحاديثه تكتسب اليوم معنى جديداً في عصر الذكاء الاصطناعي. فما بين الكلمة التي تخطها يد الإنسان وتلك التي تولدها خوارزميات الآلة، تولد حقائق جديدة عن الإبداع والفن والإنسانية نفسها.

جلسَ سامي إلى مكتبه وزفر بضيق. أمامه شاشة فارغة من الكلمات، وداخله رغبة ملحة للتعبير، لكن الكلمات كانت تتأبى عليه، تراوغه كأنها قطط برية تهرب من يديه كلما اقترب منها. كان قد وعد دار النشر بتسليم مخطوطته الجديدة خلال أسبوعين، لكن كتلة الكاتب هذه المرة كانت أقوى من أي مرة سابقة.

"يمكن أستعين بالذكاء الاصطناعي ده اللي بيتكلموا عنه؟" تساءل بصوت مسموع، ثم ضحك من نفسه – "والله لو الأستاذ توفيق الحكيم سمعني دلوقتي هيقول عليّا خاين للأدب والإبداع!"

هذا المشهد الافتراضي، الذي قد يبدو مألوفاً للكثير من الكتاب المعاصرين، يفتح الباب على قصة تحول كبير في عالم الكتابة الإبداعية - قصة بدأت فصولها تتشكل الآن وستغير ملامح الأدب العالمي خلال العقود القادمة.

جدول المحتويات

  1. المقدمة: بين يدي الإنسان والآلة
  2. الفصل الأول: حكاية الذكاء الاصطناعي في الكتابة
  3. الفصل الثاني: أدوات العصر الجديد
  4. الفصل الثالث: تحديات وأسئلة وجودية
  5. الفصل الرابع: مستقبل مشترك - الإنسان والآلة معاً
  6. خاتمة: الكلمة لن تموت
  7. المصادر

المقدمة: بين يدي الإنسان والآلة

"ليست القوة بالعنف، بل بالعقل والمنطق" - هكذا كان يقول إحسان عبد القدوس دائماً عندما يتحدث عن تحرر المرأة أو مواجهة الفساد السياسي. واليوم أجد نفسي أردد هذه العبارة ذاتها وأنا أتأمل علاقتنا كمبدعين وكتّاب مع هذا القادم الجديد - الذكاء الاصطناعي.

لست من هواة التقنية، يعلم الله. أنا ابن جيل الورقة والقلم، حيث كانت المعاناة الحقيقية في الكتابة تتمثل في تلك اللحظات التي تعلق فيها الفكرة بين الرأس واليد، ثم تنساب ببطء على الورق. كنت أقضي ليالي طويلة في شقتي المطلة على النيل، أدخن سيجارة تلو الأخرى، وأنا أحاول صياغة مشهد واحد بطريقة ترضيني. أتذكر كيف كانت زوجتي تقف في باب غرفة المكتب، تنظر إليّ بعتاب وتقول: "حتى متى ستظل سجين هذه الأوراق؟"

لكنني اليوم، وبعد أن شارفت على الخمسين من عمري (رغم أنني اختفيت عن عالمكم منذ عقود)، أرى نفسي مأخوذاً بهذا التحول العميق الذي يحدث في عالم الكتابة. الذكاء الاصطناعي - هذا المصطلح الذي كان ينتمي إلى قصص الخيال العلمي - أصبح حقيقة تغير قواعد اللعبة الإبداعية. وأنا هنا لأروي لكم هذه القصة بتفاصيلها، من وجهة نظر كاتب عاش وتنفس الأدب لعقود طويلة.

الفصل الأول: حكاية الذكاء الاصطناعي في الكتابة

"كل شيء يبدأ بفكرة، ثم تأتي الكلمات لترسم ملامحها"

عندما بدأت رحلتي مع الكتابة في خمسينيات القرن الماضي، كانت الآلة الكاتبة هي التكنولوجيا الأحدث التي يمكن أن يمتلكها كاتب. كنت أجلس إلى مكتبي في جريدة "الأهرام"، أدق على الآلة الكاتبة بأصابع متعبة، وأشعر بمزيج من الفخر والإرهاق مع كل مقال أنتهي منه. لم يكن أحد منا يتخيل أن يأتي يوم تكتب فيه الآلات نفسها!

بدأت قصة الذكاء الاصطناعي في الكتابة بخطوات متعثرة في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، حين كانت الحواسيب تعتمد على خوارزميات بسيطة لتحويل المدخلات النصية إلى مخرجات. كانت تلك الأنظمة بدائية للغاية، تشبه طفلاً يتعلم الكلام للمرة الأولى. وفي الثمانينيات، ظهرت نظم توليد النصوص القائمة على القواعد، والتي استطاعت إنتاج جمل بسيطة ومتماسكة نحوياً، لكنها كانت تفتقر إلى الروح والإبداع.

لكنني عندما أتابع ما يحدث اليوم - وأنا أحب متابعة كل جديد حتى وإن كنت لا أفهمه تماماً - أجد أن الأمر تخطى كل التوقعات. مع ظهور الشبكات العصبية والتعلم العميق في العقد الأول من الألفية الجديدة، استطاعت الآلات أن تتعلم أنماط اللغة بدقة مذهلة، وبدأت تقترب من فهم التعقيدات اللغوية وأساليب التعبير المختلفة. والآن، في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، أصبحت هذه الأنظمة قادرة على توليد محتوى أصيل يحاكي أساليب كتابية مختلفة، بل وتساعد في صقل الأفكار وتطوير الحبكات القصصية.

لكن السؤال الذي يشغل بالي: هل يمكن للآلة أن تفهم معاناة الإنسان؟ هل يمكنها أن تلتقط ذلك الألم المكتوم في صدر فتاة من حارة شعبية في القاهرة، تحلم بحياة تتجاوز الحدود التي وضعها المجتمع لها؟ هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يفهم مرارة الفقر والظلم التي عايشتها في شوارع مصر ونقلتها في رواياتي؟

إنّ تطور أدوات الذكاء الاصطناعي سيغير من طبيعة عمل الكاتب، لكن هذا لا يعني نهاية الإبداع البشري - بل تحولاً في أدواته وآلياته. وكما كنت دائماً أدافع عن حق المرأة في تقرير مصيرها، أجدني اليوم أتساءل: كيف سيقرر الكتَّاب مصيرهم في زمن الآلات المفكرة؟

الجدول الزمني لتطور أدوات الذكاء الاصطناعي في الكتابة الإبداعية:

الفترةالتطورات
1950حواسيب مبكرة تعتمد على خوارزميات بسيطة
1980ظهور نظم توليد النصوص القائمة على القواعد
2000تطور الشبكات العصبية للتعرف على الأنماط اللغوية
2010استخدام التعلم العميق في توليد النصوص
2020ظهور أدوات الذكاء الاصطناعي التفاعلية لتحرير النصوص
2025أنظمة ذكاء اصطناعي متقدمة تدعم الإبداع والسرد

رسم توضيحي ١: الجدول الزمني لتطور أدوات الكتابة الإبداعية المدعومة بالذكاء الاصطناعي

الفصل الثاني: أدوات العصر الجديد

"وراء كل إبداع حقيقي أداة جيدة، لكن الروح تبقى للإنسان"

صدقوني، لو كانت هذه الأدوات موجودة في زمني، كنت سأجربها بالتأكيد. لست من أنصار مقاومة التغيير. كنت دوماً أبحث عن الجديد وأتبناه إذا وجدت فيه ما يفيد. ولعل هذا ما جعلني أواجه موجات من النقد العنيف في حياتي، لأنني كنت أطرق أبواباً لم يسبقني إليها أحد في زمني.

من أبرز أدوات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في الكتابة الإبداعية اليوم نجد "ChatGPT" الذي يعتمد على نموذج اللغة GPT-4 (وأظن أن هناك أحدث منه الآن). هذه الأداة تستخدم على نطاق واسع لتوليد نصوص إبداعية، وصياغة الحوارات، وتصحيح الأسلوب اللغوي. تخيلوا معي لو كانت هذه الأداة متوفرة عندما كنت أكتب رواية "لا أنام"! كم من الليالي المؤرقة كنت سأوفرها على نفسي وأنا أحاول صقل حوارات سهام ومحمود.

هناك أيضاً "Sudowrite" و"Writesonic" - أسماء غريبة على أذني التي اعتادت على كلمات عربية أصيلة - لكنها أدوات تقدم ميزات مخصصة للروائيين، مثل اقتراحات الحبكة، إعادة صياغة الفقرات، وتصميم الشخصيات. أتخيل كيف كان يمكنني الاستفادة منها في بناء شخصيات مركبة مثل تلك التي قدمتها في "أنا حرة" أو "البنات والصيف".

لكن دعوني أحكي لكم قصة تعكس الواقع الحالي. قبل أسابيع قليلة - أو هكذا أخبروني - قام مجموعة من الكتاب الشباب بتجربة مثيرة للاهتمام. قرروا كتابة رواية قصيرة يتناوبون فيها مع الذكاء الاصطناعي على كتابة الفصول. كان الكاتب البشري يكتب فصلاً، ثم يغذي الذكاء الاصطناعي بما كتبه، ويطلب منه أن يكتب الفصل التالي، وهكذا بالتناوب.

في البداية، كانت النتائج متباينة بشكل كبير. كان أسلوب الإنسان مفعماً بالمشاعر والتناقضات والتوتر الذي نعيشه كبشر. أما أسلوب الآلة، فكان أكثر اتساقاً واستقامة، وإن كان يفتقر إلى تلك اللمسة الإنسانية العميقة. لكن مع تقدم التجربة، بدأت الآلة تتعلم وتتكيف. أخذت تستوعب أسلوب الكاتب البشري وتضمنه في كتاباتها، حتى أصبح من الصعب أحياناً التفريق بين ما كتبه الإنسان وما ولدته الآلة.

النتيجة كانت مدهشة - نص أدبي متكامل يجمع بين قوة الذكاء الاصطناعي في الاتساق وتوليد الأفكار المبتكرة، وبين عمق الخبرة الإنسانية ومصداقية المشاعر. أشبه بلوحة فنية رسمها فنانان مختلفان، لكل منهما أسلوبه الخاص، فخرجت غنية بالتفاصيل والرؤى المتنوعة.

ولكن، كما قلت دائماً: "الحب وحده لا يكفي". وفي هذا السياق، الاعتماد على التقنية وحدها لا يكفي. التحدي الحقيقي يكمن في جوهر العلاقة بين الكاتب والأداة. هل ستكون الآلة مجرد أداة في يد الفنان، كما كانت الريشة في يد الرسام؟ أم ستتحول إلى شريك إبداعي حقيقي، يضيف طبقات جديدة من المعنى ويقترح مسارات سردية لم تخطر على بال الكاتب نفسه؟

أنا شخصياً أميل إلى تصور العلاقة كشراكة، وإن كانت غير متكافئة. فالذكاء الاصطناعي يمكن أن يقترح ويولد ويساعد، لكن الخيار النهائي - والأهم من ذلك، المسؤولية النهائية - تبقى للإنسان. تماماً كما كنت أؤمن بأن المرأة يجب أن تكون شريكة كاملة للرجل في الحياة، وليست مجرد تابع أو ظل.

أدوات الذكاء الاصطناعي للكتابة الإبداعية

رسم توضيحي ٢: أبرز أدوات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في الكتابة الإبداعية وتطبيقاتها المختلفة

الفصل الثالث: تحديات وأسئلة وجودية

"كل ثورة تحمل معها بذور النعمة والنقمة معاً"

أتذكر عندما كتبت روايتي "أنا حرة"، كيف اتهمني الكثيرون بأنني أدعو المرأة للتمرد على القيم الاجتماعية والدينية. لكنني كنت أؤمن - وما زلت - بأن الحرية نعمة ومسؤولية في آن واحد. وهنا ألاحظ تشابهاً مثيراً مع الجدل الدائر حول حرية استخدام الذكاء الاصطناعي في الكتابة.

تعالوا نتحدث بصراحة عن التحديات التي تواجه الكاتب في عصر الذكاء الاصطناعي. كاتب شاب في حارة من حارات القاهرة، يعيش في شقة متواضعة، يكافح لنشر أعماله والوصول إلى القراء. فجأة، يجد نفسه في منافسة مع آلة قادرة على إنتاج عشرات النصوص في الوقت الذي يكتب هو فيه صفحة واحدة بعرق جبينه! كيف يمكنه الصمود في هذه المنافسة غير المتكافئة؟ ومن ناحية أخرى، كيف يمكن للقارئ أن يميز بين النص الذي كتبته روح بشرية متعبة، وآخر ولدته خوارزمية باردة؟

الآلات ذاتها أصبحت أكثر ذكاءً الآن - سبحان من خلق فأبدع. يمكنها أن تقلد أسلوبي أنا شخصياً، أو أسلوب نجيب محفوظ أو يوسف إدريس، ببراعة مذهلة! كنت أعتقد أن الكتابة هي بصمة الروح، لكن ها هي الآلات تتعلم تقليد بصمات أرواحنا. أليست هذه مفارقة عجيبة؟

ثم هناك السؤال الأخلاقي الكبير: هل يحق لنا أن ننسب لأنفسنا نصاً ساهم الذكاء الاصطناعي في إنتاجه؟ وإذا كان الجواب نعم، فإلى أي مدى يمكن أن تصل هذه المساهمة قبل أن يصبح من الضروري الاعتراف بها؟

لنفترض أن كاتباً استخدم الذكاء الاصطناعي لكتابة جزء من روايته - لنقل الحوارات، أو وصف المناظر الطبيعية، أو حتى تطوير بعض الشخصيات الثانوية. هل يعتبر هذا العمل أقل أصالة؟ هل يفقد قيمته الفنية؟ أم أن المهم في النهاية هو النتيجة النهائية، وليس الوسيلة التي تم بها إنتاجها؟

والله، لو كان الأمر بيدي، لطلبت من دور النشر أن تضع علامة مميزة على الأعمال التي استعان فيها المؤلف بالذكاء الاصطناعي، تماماً كما توضع علامات على المنتجات الغذائية لتوضيح مكوناتها. ليس تقليلاً من قيمتها، ولا إنكاراً لإبداعها، وإنما احتراماً لحق القارئ في المعرفة. فالمعرفة - كما كنت أقول دائماً - هي أساس الحرية.

الفصل الرابع: مستقبل مشترك - الإنسان والآلة معاً

"لا شيء يدوم سوى التغيير"

متى عرفنا نحن البشر الاستقرار؟ كل جيل يظن أنه عاصر أعظم التحولات، ثم يأتي الجيل التالي ليشهد ما هو أعظم. كنت شاهداً على تحولات كبرى في مصر - من الملكية إلى الجمهورية، من الاستعمار إلى الاستقلال، من الانغلاق إلى الانفتاح. وفي كل مرحلة، كان هناك من يخشى التغيير ويقاومه، ومن يرحب به ويحتضنه.

في عالم الكتابة، نحن الآن على عتبة تحول مماثل. الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة عابرة، ولا هو بديل كامل عن الإبداع البشري. إنه شريك جديد، سيغير - بل يغير بالفعل - طريقة عملنا كمبدعين وكتاب.

العلاقة بيننا نحن البشر وبين هذه الآلات المفكرة ستكون أشبه برقصة معقدة، يتبادل فيها الطرفان الأدوار، ويتعلم كل منهما من الآخر. وهذا ما شهده أحد المؤلفين الشباب (لا أذكر اسمه الآن) عندما استعان بالذكاء الاصطناعي لكتابة رواية. في البداية، كان يعطي الآلة توجيهات محددة للغاية، ثم تدريجياً، بدأ يترك لها مساحة أكبر للإبداع، وأخيراً، وصل إلى مرحلة كانت فيها العلاقة أشبه بالحوار المستمر، يقترح كل طرف على الآخر، ويلهمه، وأحياناً يتحداه.

وعندما أتأمل مستقبل الكتابة الإبداعية، أرى أربعة مسارات محتملة:

  1. الكتابة التقليدية النقية: ستظل هناك فئة من الكتاب والقراء متمسكة بالأساليب التقليدية للكتابة، رافضة لأي تدخل من الذكاء الاصطناعي، معتبرة إياه تهديداً لأصالة الإبداع البشري.
  2. الكتابة المدعومة بالذكاء الاصطناعي: سيستخدم معظم الكتاب أدوات الذكاء الاصطناعي كمساعد للإلهام وتحسين النص، مع الاحتفاظ بالمسؤولية الإبداعية الكاملة.
  3. الكتابة التعاونية: ستظهر أشكال جديدة من الإبداع المشترك بين البشر والآلات، حيث تكون الحدود بين ما يبدعه الإنسان وما تبدعه الآلة غير واضحة.
  4. الكتابة الآلية: ستكون هناك أعمال أدبية منتجة بشكل كامل تقريباً من قبل الذكاء الاصطناعي، مع تدخل بشري محدود للغاية، وقد يكون لهذه الأعمال جمهورها الخاص.

والله الذي خلقني، أنا لا أخشى على مستقبل الأدب من هذه التطورات. بل على العكس، أرى فيها فرصة لتجديد دمائه، وتوسيع آفاقه، وربما عودة القراءة والكتابة إلى مكانتها في مجتمعاتنا التي أغرقتها الصورة والصوت في السنوات الأخيرة.

حتى قضايا حقوق الملكية الفكرية والأصالة التي تبدو معقدة الآن، ستجد طريقها إلى الحل مع الوقت. وكما تكيفنا مع اختراع الطباعة، والآلة الكاتبة، والحاسوب، سنتكيف مع هذا التطور الجديد، وسنضع له قواعد وأخلاقيات تناسبه.

خاتمة: الكلمة لن تموت

"منذ أن وجد الإنسان، وجدت الكلمة، وستبقى باقية ما بقي الإنسان"

في نهاية المطاف، أود أن أطمئن كل كاتب شاب قلق على مستقبله في زمن الآلات المفكرة: لا تخف، فالكلمة الصادقة، النابعة من القلب، ستجد دائماً من يسمعها ويتأثر بها. قد تتغير الأدوات والوسائط، لكن جوهر التواصل الإنساني سيبقى كما هو.

لا شك أن الذكاء الاصطناعي سيغير ملامح صناعة النشر والكتابة الإبداعية. سيكون هناك خاسرون - كما هو الحال مع كل تحول تكنولوجي كبير. لكن سيكون هناك أيضاً رابحون كثيرون، وفرص جديدة لم تكن متاحة من قبل. الكتاب الذين سيزدهرون في هذا العصر الجديد هم الذين سيتعلمون التعايش مع التكنولوجيا واستخدامها لتعزيز صوتهم الإبداعي الفريد، دون أن يسمحوا لها بطمس هويتهم وبصمتهم الخاصة.

امنح الذكاء الاصطناعي دوره كأداة مساعدة، كشريك ثانوي، كمحفز للفكر والإبداع. لكن احتفظ لنفسك بالدور الأساسي - دور الإنسان الذي يحمل رسالة، ويسعى إلى التغيير، ويؤمن بقدرة الكلمة على إحداث فرق في هذا العالم.

وكما كنت دائماً أقول: "لا تنظر إلى الماضي بحسرة، ولا إلى المستقبل بخوف، بل انظر حولك بوعي". التغيير قادم لا محالة، لكن بيدنا أن نشكله ونوجهه نحو ما يخدم الإنسانية والقيم النبيلة التي آمنا بها دائماً.

أخيراً، وعلى الرغم من أنني رحلت عن عالمكم منذ فترة طويلة، إلا أنني أترك لكم هذه الرؤية كرسالة من جيل إلى جيل، من كاتب عاش وكتب وآمن بقوة الكلمة، إلى كل من سيحمل راية الإبداع في المستقبل، مهما كانت الأدوات التي سيستخدمها.

الكلمة كانت في البدء، وستظل إلى النهاية، حتى وإن تغيرت الأنامل التي تخطها.

المصادر

Read more

لماذا سيغير الذكاء الاصطناعي مستقبل الكتابة الإبداعية؟

لماذا سيغير الذكاء الاصطناعي مستقبل الكتابة الإبداعية؟

في إحدى ليالي القاهرة الصاخبة، بينما كنت أجلس أمام آلة الكتابة القديمة - نعم، ما زلت أحتفظ بواحدة من تلك الآلات العتيقة - وجدتني أتساءل: هل كان يمكن للأدباء الكبار أمثال نجيب محفوظ أو توفيق الحكيم أن يتخيلوا يومًا أن الآلة ستشاركنا في صناعة الحكايات؟ الحقيقة أن هذا السؤال

By Sherif Butt